روى ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكُلينيّ  رحمه الله  عن عليّ بن إبراهيم, عن أبيه . وعن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد ، جميعاً : عن الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رِئاب ، عن أبي حمزة ، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال : كان أمير المؤمنين  عليه السلام  يقول :

< إنّما الدهرُ ثلاثة أيّامٍ, أنتَ في ما بينهنّ :

مضى أمس بما فيه, فلا يرجع أبداً ، فإنْ كنت عملت فيه خيراً لم تحزنْ لذهابه ، وفرحتَ بما أسلفتَه فيه, وإنْ كنتَ قد فرّطتَ فيه فحسرتُك شديدةٌ لذهابه وتفريطك فيه .

وأنت في يومك الذي أصبحتَ فيه من غدٍ في غرّةٍ ! ولا تدري لعلّكَ لا تبلغه ؟ وإنْ بلغتَه لعلّ حظّكَ فيه في التفريط مثلُ حظّك في الأمس الماضي عنك ! 

فيومٌ من الثلاثة قد مضى أنتَ فيه مفرّطٌ ، ويومٌ تنتظره لستَ أنتَ منه على يقينٍ من ترك التفريط .

وإنّما هو يومُك الذي أصبحتَ فيه , وقد كان ينبغي لك  إنْ عقلتَ وفكّرتَ في ما فرّطتَ في الأمس الماضي مما فاتَكَ فيه من حسناتٍ  أ نْ لاتكونَ اكتسبتَها ومن سيئاتٍ لا تكون أقصرتَ عنها .

وأنتَ مع هذا من استقبال غدٍ على غير ثقةٍ من أن تبلغه, وعلى غير يقينٍ من اكتساب حسنةٍ ، أو ارتداعٍ عن سيئةٍ مُحبطةٍ .

فأنتَ من يومكَ الذي تستقبل على مثل يومكَ الذي استدبرتَ ! ! 

فاعمل عملَ رجلٍ ليسَ يأملُ من الأيّام إلا يومَه الذي أصبحَ فيه وليلتَه>[1].

وعن  الصادق  عليه السلام  في ثَلاثيّاته التي سمّاها بعض الشيعة ( نثر الدُّرَر)  كما قال ابن شُعبة الحرّانيُّ قال  عليه السلام  : <الأيّام ثلاثةٌ : فيومٌ مضى لا يُدْرَكُ ، ويومٌ الناسُ فيه ، فينبغي أن يغتنموه , وغَداً إنّما في أيديهم أَمَلُه>[2]. 

وقال الشيخ محمد باقر المحمودي الحائري  رحمه الله  بعد نقله كلام الأمير عليه السلام :

 ومن هنا اقتبس السيّد فضل الله الراوندي رحمه الله ما نظمه, وقال:

هل لك يا مغرورُ من زاجرٍ * أو حاجزٍ من جهلك الغامرِ

أمسٌ تقضّى وغداً لم يجئْ * واليومُ يمضي لمحةَ الباصرِ

فذلك العمرُ كذا ينقضي * ما أشبهَ الماضيُّ بالغابرِ

وإلى هذا الحديث وأشباهه استند الشيخ سعدي حيث قال :

ما فات مضى وما سيأتيك فأينْ * قمْ فاغتنم الفرصةَ بينَ العَدَمَيْنْ [3]

أقول :

وللشاعر إبراهيم بن يحيى أبي أسحاق الكلبي الغزّي (ولد 441 وتوفّي 524 ببلاد بَلْخٍ ) قوله :

إنّما هذه الحياةُ متاعٌ * والسفيهُ الغويُّ مَنْ يَصطفيها

ما مضى فاتَ والمؤمّلُ غيبٌ * و لَكَ الساعةُ التي أنتَ فيها[4]

وذكر الصفدي للقاضي ابن عصرون , عبد الله بن هبة الله بن المطهر الموصلي[5], قال :

وما الدهرُ إلا ما مضى وهو فائتُ * وما سوفَ يأتي وهو غيرُ مُحصّلِ وعيشُكَ فيما أنتَ فيهِ فإنّهُ * زمانُ الفتى من مُجملٍ ومُفصّلِ[6]

قال القمّي :  وكأنه أخذ هذا الشعر من قول من قال :

ما فات مضى وما سيأتيك فأينْ * قم فاغتنم الفرصة بين العدمينْ[7]

ووجدتُ للسيّد بهاء الدين , محمّد بن محمّد بن محمّد باقر, المُختاريّ النائينيّ السبزواريّ[8] هذين البيتين :

أنْتَ في ما قدْ بقيْ منْ ذي الحياةْ * كالذي قد عاد من بعد الوفاةْ

فاغْتنمْ هذا المعادَ للمعادْ * وانْتَبِهْ لَهْ إنّ ما قدْ فاتَ فاتْ

أقول : أمّا الذي عنونّا هذه الرسالة به , أعني:

ما فاتَ مَضَى وما سَيَأْتِيْكَ فَأيْنْ * قُمْ فَاغْتَنِم الفُرْصَةَ بَيْنَ العَدَمَيْنْ

فقد نسب إلى الإمام أمير المؤمنين  عليه السلام  عند بعض المتأخرين[9] ولم نجده في الديوان المنسوب إلى الإمام  عليه السلام  .

ونسبه الشيخ المحمودي إلى الشاعر الفارسي سعدي الشيرازي , كما عرفت.

ومهما كان ؛ فمعناه مقتبس من كلامه السابق بلاريبٍ.

و وجدتُ أخيراً للشيخ عليّ الشَرْقيّ النجفيّ (ت1383هـ ) قوله:

كلّما فكّرْتُ في العُقْبى اعْتراني خَفَقَانْ * فإلى أينَ إلى أينَ إذا آنَ الأوانْ

عَدَماً كانَ وُجُودي وَسَيَبقى عَدَما * قدْ تَوَسّطتُ وُجُوداً طَرَفاهُ عَدَمانْ

يقول العبد السيد محمد رضا الحسينيّ الجلاليّ كان الله له:

وكلّما تأمّلتُ في ما مضى من الأشعار , وقارنتها بهذا البيت الواحد ؛ وجدته أجود منها كلّها , و كما قال الصفدي : هو أكمل!

وإليك مقارنة بينه وبين البيتين الأخيرين للشرقي حيث هو كذلك من جهات: 

فأوّلاً : لاختصاره واقتصاره على بيت واحد .

وثانياّ: لاشتماله على معان أكثر وأهمّ ؛ مثل : ما في قوله : < قم > من الحثّ والترغيب, و ذكره < اغتنام الفرصة > مما لا يوجد فيهما. 

وثالثاّ: أداؤُهُ المعاني بكلماتٍ أقصرَ ذاتِ حروفٍ أقلَّ, بينما هي فيهما أطول وأكثر , مثل :

(فأينْ )  وفيهما : فإلى أينَ إلى أينَ .

(ما فات مضى) وفيهما : عدماً كانَ وُجُودي.

( الفرصة ) وفيهما : قد توسّطتُ وُجُوداّ.

ورابعاّ: خلوّهُ  من التكرار بينما قوله فيهما : < طرفاه عدمان > تكرار واضح لقوله < عدماّ كان وجودي وسيبقى عدماّ > .

وخامساً : إنّ في قوله : < عدماً كان وجودي وسيبقى عدماً > الحكم على الوجود بالعدم مرّتين , وهو الحكم على الشيء بضدّه , بينما يخلو البيت من مثل ذلك.

وعلى هذا قِسْ ما سواه من الأشعار تجدْ ما قلتُ عياناً .

ثمّ لاريبَ في سبق الإمام  عليه السلام  في ابتكار هذا المعنى المهمّ , فيكون الشعراء قد اقتبسوه منه , ولعلّ المتأخّر قد سرق من المتقدم عليه. وبالمناسبة -  والشيءُ بالشيء يُذكرُ – فإنّ الشاعر إبراهيم الكلبي الغزّي الآنف الذكر قال في بعض ما نظم :

قالوا هجرتَ الشِعْرَ قلتُ ضَرورة * بابُ الدَوَاعِي  والبَوَاعِثُ مُغْلَقُ

خَلَت الدِيارُ فَلا كَرِيْمٌ يُرْتَجَى * مِنْهُ النَّوالُ ولا مَلِيْحٌ يُعْشَقُ

وَمِن العَجَائِبِ أَنَّهُ لا يُشْتَرَى * وَيُخانُ فِيهِ مَعَ الكَسَادِ ويُسْرَقُ

لكنّ كلام الإمام  عليه السلام  الزاهر الذي ظنّ موسى أنّه نار قَبَس , فهو لا يخبُو مهما اقتبسَ منهُ من اقتبس.

وهذا أوان ختم الكلام بالصلاة على خير الأنام سيّد الرسل الكرام محمّد وآله العظام .

وقد امتثلت بكتابته أمر العلامة المبجل المعظم الأديب اللبيب الأخ الحبيب السيّد عبد الستّار الحسني البغدادي حفظه الله ورعاه وآتاه مناه وبلغه آماله في آخرته ودنياه بدعاء الراجي إجابة دعاه العبد:

السيّد محمّد رِضا الحُسينيّ الجَلاليّ كان الله له, وذلك في آخر ساعة من يوم الاثنين الثالث والعشرين من محرّم الحرام من عام 1428 هـ في قم المقدّسة , حامِداّ مُصلِّياّ مُسلِّما.ّ



[1] وهو الحديث الأوّل من باب محاسبة العمل من كتاب الإيمان والكفر من أصول الكافي : (2 / 453 ) ورواه عنه في البحار : القسم الأول من( 16 / 58 ) ط الكمباني ونقله نهج السعادة للشيخ المحمودي ( 3 / 255 ) رقم 66 .

 

[2] رواه في تحف العقول ( ص 324 ) وعنه بحار الأنوار للعلامة المجلسي ( 75 / 238 ) رقم 80  .

 

[3] في نهج السعادة للشيخ المحمودي ( 3 / 255 ) رقم 66.

[4] (1)  ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (12/284 حوادث سنة542)في ترجمته وفي (11 / 85 ) ونسبه على بعض الشعراء, وذكره ابن الأثير في الكامل (10/ 666 ) و فيات الأعيان (1/57) والصفدي في الوافي بالوفيات (6 / 51) و ابن عساكر في تاريخ دمشق (7 / 53 رقم 452 ) وتهذيب ابن عساكر (2 / 229) والمنتظم لابن الجوزي (10 / 15) والذهبي في تاريخ الإسلام (4 / 255) وسيرأعلام النبلاء(19/ 555 رقم 321) والعبر(4/255) وشذرات الذهب (4/68) والنجوم الزاهرة (5 / 236).

 

[5] وعنونه الشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب (2 / 356 – 357) : ( شرف الدين الموصلي ) أبو سعد عبد الله بن أبي السري محمد بن هبة الله بن مطهر بن علي بن أبي عصرون الحديثي[5] الموصلي الفقيه الشافعي الذي تنقل في البلاد الشامية وبني له المدارس بحلب وحمص وحماة وبعلبك وتولى القضاء بسنجار ونصيبين وحران ودمشق وعمي في آجر عمره. توفي بدمشق سنة 585 . وابنه محيي الدين محمد كان ينوب عنه في القضاء وصنف جزء في جواز قضاء الأعمى وهو على خلاف مذهب الشافعي.

 

[6] في الوافي بالوفيات (17 / 309).

[7] الكنى والألقاب (2 / 356 – 357).

 

[8]  هذا السيّد من أعلام الشيعة ومن السادة  آل المختار أجدادنا الأبرارالذين هاجروا إلى مدينة سبزوار وهي المعروفة باسم < بيهق> من كبريات بلاد خراسان, وله مؤلّفات بديعة في فنون العلم , وله إجازة من الفاضل الهندي محمد بن حسن المتوفّى سنة 1135 – أو- 1137,قال شيخنا الطهراني : تاريخها (19 ذي الحجّة سنة 1109)رأيتها بخط المجيز . الذريعة (1/ 232 رقم 1222).  

[9] الفضائل والرذائل للمظاهري (ص 71) فقال: وذلك ما عبّر عنه حضرته بقوله :

ما فات مضى وما سيأتيك فاين * فاغتنم الفرصة بين العدمين

 

سه شنبه ۲۴ بهمن ۱۳۸۵ ساعت ۱۹:۱۰
نظرات



نمایش ایمیل به مخاطبین





نمایش نظر در سایت